“الفوضى!” أغرب إنترفيوه!.
باصدفة قابلت أحد المديرين والذى عملت معه عام 2000 في شركة أخرى كنت اعمل فيها لقاء إنترفيوا للعمل بعدها ب13 عام تقريباً، وكان لقاء جميل بالطبع وفى نهاية اللقاء سألته نصيحة عن لقاء الموارد البشرية ونصحني بالتحدث بطريقة معينة و إضافة كلمات معينة لإبراز مهارات وأفكار معينة يهتم بها مدير لقاء الموارد البشرية ولأجتاز المقابلة بنجاح طبعاً.
لكنى في يوم اللقاء لم افعل أيا مما قال – كنت أحب دائماً أن يجب ان أكون ما انا علية حقاً – أنا لا احب لبس البدل مع إنى أضطر لهذا في الرسميات ولا احب اصطناع الكلام والبيع وإظهار صورة أخرى لى – حتى ولو كانت هذه الصورة هية الصورة “المحترفة” التي يريدها الاغلبية ويفهمها ويتباهى بها هذ العصر، ولهذا استخرت الله وذهبت موعد المقابلة.
وفي إجابة في “الانترفيوه” على سؤال لعميلة الموارد البشرية، كانت إجابتى “الفوضى!”
تعجبت من إجابتى ونظرت لى لأكمل ما اعنية – فأكملت – ” انا بكل تواضع وعملى مرتبط بالتصميم والابتكار والابداع على سبيل الافتراض – ارى إن عدونا و”أغلب” مشاكلنا كلها في “الفوضى” الهدامة والتي لا يمكن إدارتها، هي الفوضى التي ولدنا بها بدون قصد وهدف واضح واستمرت لتلاحق كل شيء فأصبحنا نراها في شوارعنا حيث يركن الناس سيارتهم في أي مكان ويعبر الناس من أي مكان ونبنى عمارتنا في أي مكان حتى بنينا بيوتاً متلاصقة جوار بعضها البعض وأخرى تماماً بجوار الأراضي المباركة بمكة فلم تسمح لعدد اكبر من الناس بالاعتمار والطواف والحج ثم حاولوا تجاوز ذلك ببناء أدوار اعلى فاختفت الكعبة وسط هذه المباني القاسية، وبجوار الاهرامات ايضاً بنينا أعشاشاً قبيحة وفتحنا ممرات ملتوية لا تتسع لسياراتنا ومحلاتنا والمارة واسميناها شوارع! ثم ملئناها مخلفات.، في الصباح أرى عشرات البشر متكدسون في علب صفيح متحركة سميت بالأتوبيس و”بالترامكوا” الشهير، تصدر عادم إسود رهيب تغطى بها على وجوة المارة المنتظرين مصيرهم المحتوم، تنظر أليهم من الخارج وتراهم داخلها مزدحمون وملتصقون بزجاج الشبابيك والابواب وتكاد تشم رائحة عرقهم وفى عينيهم نظرة حزينة بائسة، هؤلاء في طريقهم ليبدأوا يوماً فعالاً جديداً في أعمالهم ومصالحهم ربما لخدمة أناس اخرين وخدمة المجتمع، والسؤال، ترى هل يمكنك ان تتصوري ما شكل هذه الخدمة أو المنتج وما جودة هذا العمل!؟. لا جرم ما نحن علية الأن نتيجة كل هذا ولن يتغير هذا الا بتغير ذاك!.
ولكن، لن تتوقف الفوضى.
الفوضى مثل الفايرس تستمر وتتحور وتتطور – هذه الاتوبيسات الصفيح ليست النهاية – لقد تطورت الفوضى وأنتجت التوكتوك والموتسيكل الصينى الرخيص والذى لم يلبس الا تحول وملأ فراغات مرور الهواء بشوارعنا وأصبح يزاحم المارة وحتى صخور الأرض والرمال، ولقد اعطينا له المجال وكل الكروت الخضراء، فهو لا يحتاج لرخصة مرور او قيادة، هو لا يأخذ مخالفات، هو يقف في اى مكان ويعطى لنفسة الأولوية عن اى مركبة أخرى.
كنت اقف بسيارتى لشراء شيء ثم وجدت أحدهم يثب من هذا الميكروباص سريعاً ليتخطا”ني” وهو يرا”ني” وليشترى فطار ويقول للبائع “بسرعة وانبى عشان متأخر عالشغل” فأعطيتة الأولوية ايضاً لانى اراه متعجل للعودة للميكروباص وأفكر في داخلي – اى عمل متأخر علية و “هيفيد إية لو وصل بدرى يعنى! – لا استبعد كونة تبع فريق فوت علينا بكرة والامضا مش واضحة والسيستم واقع!”.
“فية فوضى كويسة وفوضى وحشة!”
قلتلها كدة وهيه تستمع للحدوتة الى بحكيها في إنتباه – هناك فوضى مقصودة ومفيدة وهناك فوضى غير مقصودة وغير مفيدة، الفوضى المقصودة هي الفوضى المنظمة والتي وضعت بخطة والتي تم تنظيم بدايتها ونهايتها من أجل إكتشاف أشياء لن نستكشف كثير من جوانبها إلا لو سرنا في مسرات عشوائية ودرسنا نتيجة ما وصلنا إلية وقادتنا هذه المسارات لما هو جيد وفعال وما هو غير جيد وغير فعال، فاستفدتنا بالتجربة.
واما الفوضى الغير مقصودة وضارة فهى التي نتجت بدون خطة وبدون دراسة المحيط والنتائج، فأصبحت تنتشر مثل الفايروسات، لا يمكن إحتوائها.
ربما ادرك البعض ما اعنية او لا ولكن كثير من الناس سافر وهاجر ومحلياً منهم من إنتقل للعيش في أماكن ذات كثافات سكانية مدروسة ومنظمة لنفس الهدف وجنينا ثمار هذا الانتقال من العشوائية الى النظام نسبياً – فى مدن حديثة و”كومباوندز” – اغلب بيوتها لها نفس الشكل ونفس الابعاد وهذا مريح للعين من فوضى البناء وعشوائية الألوان وارتفاع البيوت المختلفة لاسيما شكل بيوت الطوب الأحمر وأعمدة الاسمنت والخرسانة والعشش على الاسطح – تم تصميم شوارعها ليكون بها مكان للركنات للكثافة المتوقعة بدون صراعات وأماكن للشجر لراحة العين وتنقية الجو ولمرور الهواء – تم تصميم أمكان للتسوق – فانت تعيش في بيت ينعم بالهدوء نسبياً – لا يجب ان تعيش جنباً الى جنب مع الميكانيكى والحداد وتسمع صرعاتهم وضجيج معداتهم ليلاً ونهاراً – أنت تحتاج الى النظام والراحة كما تحتاج هذا الهواء وهذا ما سيجعلنا مبدعين بشكل افضل ويخفف حدة التوتر الناتجة عن الفوضى المستمرة في العالم الخارجي المحيط.
انا اتحدث على سبيل المثال في فوضى جزء من الحياة مرتبط بالشارع والمسكن، لكن الفوضى طغت على كل شيء فى الزواج والطلاق والعمل والصداقة والتعلم وحتى في اتباع الدين!.
الفوضى من الشيطان
انا وجدت إن الله كان يأمرنا بالنظام، وخلق كل شيء بقدر ونظام – وهذا الكون والملكوت يسير بنظام – وعبادتة وصيامة وقيامة في أوقات بنظام – وكل أمر كان يدعوا للنظام حتى وإن لم تدرك معناه في وقت معين لقصور و”حدود” معرفتك، والنظام معناه تحديد الأهداف والرؤية والرسالة والاخذ بالأسباب للتنفيذ معتبراً كل الجوانب، انا وجدت إن عملي المتواضع من التصميم والابداع وتجربة المستخدم هو ايضاً مرتبط بنظام وخدمة البشرية كما أراد الله لها، ووجدت إن ما نحن فية من فوضى تم “تصميمها (بنظام) أيضاً” من قبل الشيطان نفسة، نعم “نظام جهنمى”، هو يعلم إنة يستطيع أن ينتشر داخل الفوضى التي صنعها بنفسة بشكل أفضل ليحقق غاياته من ظلم واستعباد وليتحكم في أطرافها ولن يستطيع أن يزدهر في نظام ليس من صنعة يدعوا للخير للإنسانية لاسيما إذا كان من صنع أهل الحق، سيحاربه في كل زاوية ويضمن ضمور قواه، فكان يدخل في اى محاولة لوضع نظام جيد ليفسد أرجائه ويحقن نفسة داخلة لينتشر مثل الفايرس ويحوله لحالة الفوضى الضارة التي ذكرناها، لهذا تختلط الأمور بعض الوقت على بعض الناس من العامة عندما يرى في النظام بعض الإيجابيات يظن إنة الحق مع إنة ربما العكس تماماً، ولهذا مطلوب مننا إصلاح القلوب وهذا يعنى أصلاح ما يستطيع تفسيره القلب والعقل والبصر معاً لترى الصورة كاملة بشكلها الصحيح ولهذا ندعوا اللهم دائماً ان أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقتنا اجتنابه!. “
موت الفوضى!
برغم إن كل ما سبق ربما تم سردة في دقائق لكنى شعرت إنى لست في إنترفيوة وإنى ابلغ رسالة معينة فأكملت الحدوتة وأجرى على الله، هل تموت الفوضى وتنتهى؟ أكملت وقلت إن الشيطان للأسف ذكى جداً، هو يعلم بإن الفساد يأكل في نفسة مثل النار وإذا وصل لمرحلة الاشباع فسيصل حتماً لمرحلة الانهيار على كل حال، فأعد لهذة المرحلة بنفسة كى لا تخرج الأمور على السيطرة، إن الشيطان يستغل حتى هذه المرحلة لينتقم من الجميع، حتى من ساعدوة من المتكبرين، فهو يريد ان يراهم في أضعف الصور، وكان يرى إن للإنسان عمر ثم سينتهى على كل حال – فكان فريق من اعوانة يعمل دائما على تجنيد الجيل الجديد الذى سيستخدمه لموجة الفوضى الجديدة، وهكذا مع الأسف…
وهكذا استمر الانترفيوة وخرجت والا اعلم من ابتسامة “الانترفيور” هل كانت تعنى الامتنان لهذه الحدوته ام اقتنعت بإني مجنون أو مختل ففضلت إنهاء الانترفيوه بشكل طبيعي لسلامتها ثم إرسال رسالة الشكر المعتادة بعد اللقاء. 😁
وعندما خرجت قابلت مديري القديم مرة أخرى فسألني عما فعلت فقلت له ما قلت باختصار – فقال لى “أدى دقنى لو إتقبلت! فية حد يقول كلام زى كدة في إنترفيوه!” 😁
بعد شهر بفضل الله، كنت ابحث في أحد ابنية الشركة على مديري القديم لأفاجئه إني معه على نفس السفينة، الفوضى والجنون جابوا نتيجة! 😁